''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''
: الإمام الخميني : قالوا عنه - محمد عبدالقادر آزاد

مشرف الموقع

25/8/1425

دعوة لقراءة المقال

نسخة لطباعة المقال


محمد عبدالقادر آزاد

محمد عبدالقادر آزاد

الفتنة الخمينية

حقيقة الثورة الإيرانية

الشيخ محمد عبدالقادر آزاد

تقـديـم

كتب فضيلة الشيخ محمد بن القادر آزاد إمام المسجد الملكي  "بادشاهي مسجد " بلاهور ـ باكستان ورئيس مجلس علماء باكستان وإمام مؤتمر القمة الإسلامي الثاني المنعقد في 22 فبراير سنة 1974 م بلاهور باكستان كتب هذا الرجل رسالة إلى رؤساء الدول الإسلامية وعلماء المسلمين في كافة بقاع الأرض ، والرسالة التي كتبها هذا العالم حول الثورة الإيرانية أقرب إلى صرخة الاستغاثة لدرء الخطر الداهم الذى يوشك أن العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه من جراء الثورة الإيرانية.

 

والرجل ذو بصيرة نافذة تعرض إلى أعماق الأمور ولا يتوقف عند ظواهر الأشياء، وقد أدرك هذا العالم ما يمكن في الثورة الإيرانية من أخطار يمكن أن يصاب بها العالم الإسلامي في الصميم، وهو بحكم مسئوليته العلمية ومنزلته الدينية ومكانته بين المسلمين صرخ بالنصيحة في هذه الرسالة صراخا حتى تصل إلى كل أذن في أي بقعة من بقاع العالم الإسلامي حتى لا يقع تحت طائلة السكوت على الباطل وحجب النصيحة وترك الخطر يزحف على المسلمين وهم غافلون .

 

والرجل لم يكتب رسالته إلى حكام المسلمين وعلمائهم

 -5-

ليستعديهم على الثورة الإيرانية حتى يعلنوا الحرب عليها وإنما الهدف من  ذلك هو التبصير بالعيوب والأخطاء والأخطار حتى نتدارك الأمر قبل فوات الأوان عسى أن يستطيع المسلمون ـ علماء وحكام أن يردوا الثورة الإيرانية إلى مسارها الصحيح لتكون الثورة للمسلمين لا ثورة على المسلمين ولتكون شوكة في جنت أعداء الإسلام وغصة في حلوقهم بدلا من أن يتكون شوكة في جنب الدول الإسلامية وغصة في حلوقهم ولنأخذ مكانها الطبيعي في صفوف الأمة الإسلامية في إطار الوحدة الإسلامية التي ينادي بها قادة الثورة الإيرانية وفي مقدمتهم الإمام الخميني نفسه .

 

ولم يتوجه هذا العالم الجليل بهذه الرسالة إلى علماء المسلمين وحكامهم إلا بعد أن استوعب الثورة الإيرانية حقائق وأهدافا ووسائل واتجاهات سمعا وقراءة ومشاهدة ، وإلا بعد أن قابل قادة الثورة الإيرانية في غيران ومنهم الإمام الخميني نفسه وسمع منهم واسمعهم وناقشهم وقدم لهم النصيحة الخالصة لوجه الله تعالى المرة بعد المرة إما مباشرة وجها لوجه، وإما في تقديم المتقرحات وتوجيهات المؤتمرات ولما لم يجد صدى لنصائحه مقترحاته وتوصياته ونداءاته توجه إلى رؤساء العالم الإسلامي وعلمائهم صارخا مستغيثا يدق أجراس الخطر دقا عنيفا متتابعا ليوقظ النائمين ولينبه الغافلين عسى أن يفيقوا فيتداركوا الأمر قبل فوات الأوان .

 

-6-

 ( الرسالة )

يا رؤساء الدول الإسلامية وعلماء الإسلام والمسلمين في أنحاء العالم .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 0000 وبعد :

 

فإنني أبعث إليكم بهذه الرسالة الخاصة لتتفكروا في هذه الفتنة العظيمة التي قامت من رقادها لتبعث الذعر والهلع والفزع في العالم الإسلامي، لست أدري كيف يغفل علماء المسلمين وحكامهم عن هذه الفتنة الثائرة كالبركان المتفجر بالحمم الملتهبة ؟ أهي غفلة عن حقيقة هذه الفتنة أم تغافل عنها اتقاء لشرها وابتعادا عن نارها ؟

 

إن الغفلة عن الخطر تقود إلى الوقوع فيه وإن التغافل لن ينجي من الشر ولا يحمي من النار، فالغفلة والتغافل كلاهما شر مستطير، والتغافل ليس سياسة ولا كياسة ولا فطنة، فاتقاء الخطر لا يكون بالتغافل عنه ولكن يكون بمواجهة إن لم يكن هناك سبيل إلا مواجهته .

 

والأخوة الإسلامية وحسن الجوار يوجبان علينا تقديم النصح  وتصحيح  المسار ودرء الظلم ، أما التغافل  والمداراة

 

-7-

والسكوت من الظلم فلا علاقة لها بحسن الجوار ولا بالأخوة الإسلامية .

إن الثورة الإيرانية مضى عليها وقت كاف للحكم لها أو عليها وإني لأعجب كيف يظل علماء المسلمين ورؤساؤهم غافلين كل الغفلة- أو متغافلين كل هذا التغافل عن هذه الفتنة الخمينية .

وأول من فهم هذه الفتنة وحقائقها وحذر منها هو الرئيس المصري الراحل " أنور السادات " وقد أصدر بيانا نشرته الجرائد العالمية في ابتداء ظهور هذه الفتنة، وقال : إن هذه الثورة التي ظهرت من بلاد فرنسا ليس ثورة إسلامية بل هي ثورة شيعية هدفها السيطرة على العالم الإسلامي، وعلى المسلمين أن يقفوا صفا واحدا ضد هذه الثورة حتى لا تحقق أهدافها .

ثم جاء البيان الثاني من " الملك حسين " ملك الأردن، فقد أشار إلى أن هدف هذه الثورة هو القضاء على أهل السنة في أنحاء العالم الإسلامي حتى يسود النظام الشيعي في كل الدول الإسلامية ويصبح العالم الإسلامي كله تحت راية الحكم الشيعي بإيران .

 

-8-

يا رؤساء الدول الإسلامية وعلماء المسلمين :

 لقد زرت إيران مرتين ورأيت فيها أمورا مخالفة لروح الإسلام وأهدافه وشريعته مخالفة صريحة لا لبس فيها .

 

فالمرة الأولى :

 

كانت في عيد الثورة الإيرانية الثالث في فبراير سنة 1980، وإليكم ما رأينا آنذاك :

 

أولا: رأينا على جدران فندق " هلتون " في طهران ثوبا أبيض كتب عليها العبارة التالية :

 

" سنحرر الكعبة والقدس فلسطين من أيدي الكفار "

 

وهذه العبارة تعني أن المملكة العربية السعودية وإسرائيل سواء بسواء في نظر الثورة الإيرانية !! فاليهود يحتلون فلسطين والقدس،والمملكة العربية السعودية تحتل الكعبة في نظرهم !! واليود والسعوديون كلاهما كفار ضد الثورة الإيرانية !! ومن هنا وجب على الثورة الإيرانية أن تحرر جميع الأماكن المقدسة من ايدي الكافر ( اليهود والسعوديون !!) (1) والفرق الوحيد بينهما عند الإيرانيين أن

ــــــــــــــــ

(1) السعوديون شعب مسلم يرفع راية التوحيد والشريعة وليس من حق أحد تكفيره أو مساواته بأعداء الله اليهود إلا إذا كانت ثورة الخميني وفق مبادئها ترى المسلمين السنة كلهم والسعوديين بالتالي كفارا ، وهذا ما تصرح به كتب الشيعة .

 

-9-

اليهود يجب أن تتحرر منهم القدس وفلسطين كلها أما السعوديون فيجب أن تتحر منهم الكعبة فقط أما باقي أجزاء المملكة فلا ومن بينهما المدينة المنورة ، ويبدو أن هذا المكان لا قداسة له في نظرهم ولذا لم ينادوا بتحريره من أيدي الكفار كما نادوا بتحرير الكعبة من أيدي الكفار .

 

والمعروف المقرر أن الكعبة في نفوس المسلمين وفي شعائر الإسلام أسبق من منزلة القدس بمراحل كبيرة ومن المنطقي أن يكون تحرير الكعبة في تخطيطهم أسبق من تحرير القدس، وهذا تفكير شيطاني سوله لهم الشيطان وأملاه لهم وزينه في قلوبهم، فبدلا من أن تتجه الثورة بقوتها وسلاحها إلى الحقيقيين (أعداء إيران الإسلامية) فكرت في الاتجاه بهذه القوة وهذا السلاح إلى المسلمين المخالفين لها في المذهب، وتقديم الخلاف في المذهب على الخلاف في أصل الدين، خطأ في أنها الرأي وانحراف عن القصد، يجب أن يتنبه له المسلمون اتقاء لأخطاره وحماية للمسلمين من آثاره وحماية للثورة الإيرانية نفسها.

على أن دعوى أن الكعبة بيد الكفار وأنها تحتاج إلى تحرير تكذيب صريح للقرآن الكريم الذي قضى في السنة التاسعة للهجرة ألا يقرب المسجد الحرام أحد من المشركين (( إنما المشركون نحس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا )) (2) ومنذ ذلك التاريخ أصبح البيت الحرام في حماية  المسلمين تؤدي فيه مناسك الحج  لله وحده ويتواصل حوله الطوائف ليل

ـــــــــــــــ

(2) التوبة الآية : 8 .

                                   -10-

نهار لله وحده وبالمنهج الذي شرعه الله تعالى، وسيظل كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فكيف يأتي الآن قادة الثورة الإيرانية ويزعمون أن الكعبة في يد الكفار وأنه يجب تحريرها ؟ (( قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ))(3) .

 

ثانيا : رأينا بعض الإيرانيين يوزعون كتابا ضد رؤساء الدول الإسلامية عامة الملك السعودي خاصة، وهذا أيضا من نفس المنطلق السابق وهو تضخيم الخلاف في المذاهب وتقديمه على التناقض في العقيدة والمناهج والأهداف والغايات، فما دام رؤساء الدول الإسلامية في نظرهم ليسوا من الشيعة ولا يعملون على نصرة المذهب الشيعي نشره بين  الناس بالقوة إذا تعذر نشره بالإقناع فليوضعوا جميعا في قائمة الأعداء، وإذا كان الملك السعودي يحظى عندهم بمكانة خاصة تجعلهم يكتفون سهامهم نحوه فلأنه في نظرهم نحتل الكعبة وهي جريمة نكراء ينفرد بها وحده ولا يشاركه فيها أحد من رؤساء الدول الإسلامية

 

وإذا كانت هذه الكتب التي تطبع بالملايين وتنفق عليها الملايين من أموال السلمين في غيران توزع مجانا وبكثافة داخل إيران فما هذا إلا لتعبئة الشعور العام ضد رؤساء الدول الإسلامية عامة والملك السعودية خاصة حتى إ‘ذا ما حان وقت تحرير الكعبة أو وقت الزحف على الأقطار الإسلامية الأخرى

ــــــــــــــــ

(3) الكهف الآية : 103 .

 

-11-

لفرض المذهب الشيعي نادى المنادي حي على الجهاد فيزحف الشيعة من كل حدب وصوب زحف التتار من قلب آسيا على البلاد الإسلامية دون أن يسأل أحد نفسه عن صواب هذا الرأي أو خطئة ، أو حقيقة الوجهة والغاية، فالذين يقادون من مشاعرهم وعواطفهم لا يجدون لقولهم موطنا في خضم المشاعر الملتهبة، وهذا أمر يجب أن ينتبه له المسلمون ويأخذوا حذرهم منه وأن يعلموا على تحرير العقل الإيراني من هذه الخرافات والأوهام والشرور إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا، فإن هذا أمر واجب على كل قادر عليهم من علماء المسلمين وحكامهم .

 

ثالثا : رأينا بعض عساكر " الخميني " قد ألقوا العلم الأمريكي والسوفيتي على الأرض وداسوا الأقدام، وكان في هذا الاجتماع وفد سوفيتي من أربعة رجال، فلما رأوا هذا المنظر قام رئيس الوفد السوفيتي وتبعه أعضاؤه وخرجوا من الحفل احتجاجا على ما رأوا فجاء وزير إيراني ووقف أمام مكبرات الصوت وقال:

 

أيها الوفد السوفيتي إن بلادكم محبوبة لدينا دولة وشعبا، وليس بيننا وبينكم اختلاف ، بل بيننا صلة ومودة، أما أمريكا فهي من أعدائنا، ولهذا اسمحوا لنا أن نرفع علم الاتحاد السوفيتي بكل احترام وتكريم ونعتذر إليكم عما حدث، فرجع وفد الاتحاد السوفيتي وقبل الاعتذار بعد رفع العلم السوفيتي مرة أخرى .

                                  -12-

وهذا التصرف من عساكر الخميني لا يتم إلا في إطار تعبئة الشعور العام بكراهية أمريكا وروسيا معا، ولو تصرف أفراد من الشعب هذا التصرف لقلنا إن هذا من وحي الشعور الخاص وحده، أما أن يتصرف العساكر هذا التصرف فإن هذا يدل على أن ما  قاموا به موافق لسياسة الدولة وإذا كان الوزير الإيراني قد حاول أن يمتص غضب الوفد السوفيتي فإن هذا يدل على أنهم يريدون أن يتبعوا سياسة : اجراح ودواء أو: اجرح وأس الجراح، أو اضرب وطيب خاطر المضروب، فالصغار يعبرون عن المشاعر الحقيقية في تصرفاتهم المعلنة، والكبار يطيبون الخواطر ويستلون الغضب بالكلمة المعسولة والابتسامة المغسولة، على أن إعلان العداوة للقوى الكبرى جميعا واستعداءها على النفس دونما ضرورة أو سبب ليس من مصلحة إيران ولا مصلحة المسلمين، والرسول - r - نهى عن تمني لقاء العدو فعن عبد الله ابن أبي أوفى رضي الله عنهما :  " أن رسول الله - r - في بعض أيامه التي لقى فيها العدو انتظر حتى مالت الشمس ثم قال: في الناس فقال: أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية " .

 

فيكف نعمل دوما سبب أو ضرورة على أن تصطدم به اصطدام؟ ! ولمصلحة من نعمل على استعدائه علينا ؟ ، إن العدو لو هاجمنا لوجب علينا أن نقاتله إلى آخر قطرة من دمائنا، أما أن تستعديه علينا فليس هذا من الخير في شيء على الإطلاق

 

-13-

 

 

لا لإيران ولا للأمة الإسلامية التي يدعوا الإمام الخميني لوحدتها .

ثم ما الذي حمل الوزير الإيراني على أن يقول للوفد السوفيتي كلاما ما كان ينبغي أن يقوله ؟ وكيف تكون بلاد الروس محبوبة للإيرانيين حكومة وشعبا ؟ وكيف تكون الصلة بينهم وبين الشيوعيين صلة مودة ؟ ألم يسمعوا قول الله تعالى: ((لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله))(4)

 

فهل الاتحاد السوفيتي في نظر الثورة الإيرانية لا يحاد الله ورسوله ؟ وما موقف الثورة الإيرانية من قوله - r - " ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم " فهل اهتمام الثورة الإيرانية بأمر المسلمين في الجمهوريات الإسلامية في روسيا ويأمر المسلمين في أفغانستان يتفق مع مودة الاتحاد السوفيتي ؟ وهل تعدية الاتحاد السوفيتي لإسرائيل بالعلماء والمقاتلين اليهود في الهجرات المتتابعة من الاتحاد السوفيتي إلى إسرائيل يتفق مع مودة الروس ؟

إن الأمر لو توقف عند إعلان تبادل المصالح بين الثورة الإيرانية والاتحاد السوفيتي لكان الأمر هينا ومقبولا ، أما إعلان المودة والحب وعد الاختلاف واحترام العلم السوفيتي وتكريمه

ـــــــــــــ

(4) المجادلة الآية : 22 .

                             -14-

 من وزير إيراني مسئول فإنه يبعث على الحيرة والشك في حقيقة الثورة الإيرانية .

 

رابعا: رأينا بعد نصف ساعة من إهانة العلم الروسي والعلم الأمريكي إهانة أعلام الدول الإسلامية ورؤسائها، فقد جاءت سيارة " أتوبيس " مفتوحة وكان عليها صورة للرئيس الأمريكي " ريجان " مقنعا بالأوراق وفي عنقه عقد النعال ملفوفا بجسده العلم الأمريكي .

 وعلى يمينه صورة الملك " خالد بن عبد العزيز " ملك المملة العربية السعودية سابقا ملفوفا على جسده العلم السعودي بشكل استفزازي، وعلى يساره صورة " حسني مبارك " رئيس جمهورية مصر العربية ملفوفا بالعلم المصري بشكل ساخر، وكذا صورة " صدام حسين" رئيس دولة العراق ، وصورة الملك " حسين" ملك الأردن على نفس النمط السابق، وغير هؤلاء من رؤساء الدول الإسلامية، ومن خلفهم صورة " بيجن" رئيس وزراء الإسرائيل على مثل صورة الكلب، وقد علق بذنبه، ورئيس باكستان الجنرال " ضياء الحق " ملفوفا على جسده علم باكستان وفي عنقه عقد النعال أيضا وكانت صورة رؤساء الدول الإسلامية مقنعة بالأوراق .

إن هذه الإهانة لرؤساء الدول الإسلامية أو السخرية بهم على هذه الصورة الزرية في الاحتفال بعيد الثورة الثالث لدليل على الكراهية المعلنة لهؤلاء الزعماء، ووضع هؤلاء مع

                            -15-

الرئيس الأمريكي، ورئيس وزراء إسرائيل يعن أن هؤلاء جميعا من معسكر واحد وهو معسكر الأعداء، ومناصبة العداء لجميع رؤساء الدول الإسلامية بلا سبب معقول ولا مسوغ مقبول لا يتفق منهج الإسلام الذي تزعم الثورة الإيرانية أنها ترفع رايته، ولا مع نصوص الشريعة ولا مع سلوك النبي- r - مع الأعداء، فلم نقرأ في أي مصدر من مصادر السيرة والسنة أن رسول الله - r - ناصب مخالفين في العقيدة العداء ابتداءا لا في بداية الدعوة ولا في نهايتها ولا في أي مرحلة من مراحلها، يستوي في ذلك كفار قريش ويهود المدينة ومنافقوها ومجوس الفرس ونصارى الروم وغيرهم، إنهم جميعا كانوا أمامه أمة دعوة، وقد كان يدعوهم إلى الإسلام ويتودد إليهم ويتلطف معهم ويلين لهم الجانب ويدعو لهم الهداية أحيانا طمعا في إسلامهم، ولم نعرف أنه ناصب العداء إلا من ناصبه العداء منهم، واقرؤوا إن شئتم رسالته التي بعث بها إلى هرقل والمقوقس وقيصر وغيرهم لتقفوا على موقف رسول الله -   -من أعدائه وهو الأولى بالاتباع، وهو قدوتنا في النهج والسلوك .

 

ومن ناحية أخرى نجد أن إهانة الأعلام والرؤساء ليست إهانة لشخص ولا لقطعة من القماش وإنما الأعلام رموز لدولها تستحق التكريم والرؤساء يمثلون شعوبهم، فالسخرية بالأعلام والرؤساء سخرية وإهانة لها فهل من مصلحة الثورة الإيرانية أن تناصب العداء كل الشعوب  الإسلامية ؟! وهل من  تعاليم

                           -16-

وهل من تعاليم الإسلام أن تسخر إيران من جميع الدول الإسلامية ؟!

 وكيف يعتذر وزير إيراني مسئول للوفد " السوفيتي" عن إهانة عساكر " الخميني" للعلم السوفيتي، ويعيد رفعه بلك الإجلال والتقدير والإكبار في الوقت الذي تهان فيه أعلام الدول الإسلامية وفي مقدمتها علم المملكة العربية السعودية الذي يجسد كلمة التوحيد، هو العلم الوحيد في العالم الذي يحمل هذه كلمة ؟

 

وهب أن العداء بين إيران والسعودية وصل إلى مداه فهل يمكن أن تصل السخرية بالمملكة وقصد إهانتها إلى حد إهانة العلم الذي يحمل كلمة التوحيد ؟ وهل يقبل مسلم على ظهر الأرض أن تصل الإهانة من إيران أو من غيرها إلى كلمة التوحيد ؟ إن هذا آخر شيء يمكن أن يتخيله مسلم .

 

ثم ما موقف الثورة الإيرانية من قوله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون )) (5) ، فهل يتفق ما فعله هؤلاء بأعلام 

ـــــــــــــــ

(5) الحجرات الآية: 11 .

                            -17-

الدول الإسلامية وبرؤسائها مع نص هذه الآية وروحها ؟ وهل يصل الخلاف في المذهب بين إيران والدول الإسلامية إلى حد استخدام سلاح السخرية الذي نهى الله المؤمنين عنه ؟ أم أن الثورة الإيرانية غير مخاطبة بهذا النهي ؟!!

 إن السب واللعن والسخرية بالآخرين ليست من منهج الإسلام في شيء، وفي القرآن الكريم: (( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم )) (6) فهل تعي الثورة الإيرانية هذه الآية وتؤمن بها أم أن المخاطبين بها أحد غيرهم ؟

 والملاحظة هنا أن السخرية والإهانة المتعمدة والمعلقة انصبت على المعسكر الغربي وحده ، أما المعسكر الشرقي  (المعسكر الشيوعي ) فقد كان بمنجى من هذه السخرية تلك الإهانة، والإهانة التي لقحت بعلم الاتحاد " السوفيتي" اعتذر عنها الوزير الإيراني وأعاد العلم إلى مكانه بكل الإجلال والاحترام ، فهل الشيوعية تتوائم مع التشيع وتتفق معه ؟ ذلك سؤال نتمنى أن نسمع عنه إجابة مقنعة في السلوك والتصرفات لا في الأقوال والتصريحات .

 

إن إهانة أعلام الدول الإسلامية والسخرية برؤسائها كانت طعنة قاتلة للوفود الإسلامية الرسمية خاصة أن هذه الوفود جاءت بدعوات رسمية ، فهل كانت  الدعوة  موجهة  إليهم

                            -18-

لإهانتهم في بلد الداعي ؟ ! وكان من الطبيعي أن تتصرف هذه الوفود تصرفا ينبئ عن رفض هذا السلوك الإيراني، وإذا كان وقد روسيا قد انسحب غاضبا ردا على إهانة العلم الروسي فلا أقل من أن تنسحب وفود الدول الإسلامية غاضبة ردا على إهانة أعلام الدول الإسلامية ورؤسائها، ومن أجل هذا انسحب من هذا الاحتفال وفود أكثر من عشرين دولة إسلامية ومنهم وفد باكستان وذهبوا إلى الفندق بعد أن عقدوا العزم جميعا على ألا يشتركوا بعد ذلك في حفلاتهم أبدا .

 وبنفس الطريقة التي عولج بها انسحاب الوفد السوفيتي أرادوا أن يعالجوا الوقف معنا فجاء إلى الفندق رسول من  "الخميني " يأسف لما حدث ويطلب منا العودة إلى الحفل، ولم يكن هذا الأسلوب مقبولا منا لأنه يدل على العبث بعقولنا والسخرية بمشاعرنا ويعاملوننا معاملة الأطفال الذين ترضيهم الكلمة الحلوة والوعد المعسول بتحقيق مطلب صغير .

 إن الإساءة كانت متعمدة وبتدبير وتخطيط وبموافقة قادة الثورة الإيرانية، فالاعتذار والأسف لا يغيران من واقع الأمر شيئا، لهذا رفضنا العودة إلى الاحتفال بناء على طلب رسول  "الخميني" وقلنا لابد أن نعلن احتجاجنا أمام "الخميني" نفسه فإن لم يكن فأمام رئيس الدولة " على خمينائي " أو وزير الخارجية دكتور ( أكبر ولايتي ) على أقل تقدير، ولما لم يجد معنا أسلوب

                            -19-

الأسف والاعتذار من رسول " الخميني" سلكوا معنا أسلوبا آخر أرخص من الأسلوب الأول وأكثر سخرية بنا وبعقولنا، بل وفيه اتهام صريح لضمائرنا وذمتنا وديننا، فقد جائنا رجل آخر يحاول أن يغرينا بالمال وبالمناصب فعرض علينا أموالا فقال: اطلبوا ما شئتم على أن تعودوا للحفل، ثم أراد ان يغرينا بشيء آخر أكثر سخافة مما مضى كله ظنا منهم أن هذا العرض مما يسيل له لعاب الناس حيث يقول: لابد أن يحكم باكستان العلماء، وإذا كنتم مستعدون للقيام بثورة الخمينية في باكستان ضد حكومة " ضياء الحق " فتحن معكم نشد أزركم ونساعدكم بكل المساعدات حتى تنجح الثورة ونعاهدكم على أن يكون الشيخ "محمد عبد القادر آزاد "رئيس الدولة والشيخ "علي أصغر" خطيب جامع نيلاكتبن لاهور يكون وزير الداخلية وفضيلة الشيخ عبد الرحمن نائب رئيس الجامعة الأشرفية " بلاهور" يكون رئيس المحكم الشرعية في " باكستان " .

 وهذا العرض بعني أن أسف " الخميني " على السخرية برؤساء الدول الإسلامية وإهانة أعلامها لم يكن ناشئا عن تراجع عن الموقف كما حدث مع وفد الاتحاد " السوفيتي" وإنما كان معالجة مؤقتة فقط حتى لا يهتز احتفال العيد الثالث بالثورة بانسحاب وفود :ثر من عشرين دولة إسلامية، إن هذا العرض يعني أن موقفهم الذي أعلنوه السخرية والاستهزاء والإهانة باق

                             -20-

 كما هو لم تغير، وأن حكومات هذه البلاد يجب أن تتغير وأن يحل محلها علماء المسلمين شريطة أن يكون ولاؤهم " الخميني "ولمبادئ الشيعة وعند ذلك ترضى عنهم الثورة الإيرانية، فهل هناك سخرية بعقولنا أكثر من هذه السخرية ؟

انظر الجزء الثاني للموضوع =